كيف أجمع بين العفو مع بقاء هيبتى بين الناس

المشاهدات الفعلية للخبر 👁 Flag Counter

 








كتب : أيمن شاكر 


من الأخلاق الحميدة و العظيمة التي تُكبِر وتعلى قدر صاحبها « العفو عند المقدرة » أي العفو عن المسيء عند القدرة على معاقبته ورد الإساءه إليه 


 ولكن إن كان العقاب جوهر العدل ، فإن العفو قمة الفضل ، وهذا الخلق الكريم هو خلق الإسلام الذي ذُكر فى القرآن الكريم في اكثر من آية كقوله سبحانه : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } وقوله أيضاً سبحانه : { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ } .


فالصفح الجميل هو العفو والإعراض الذي لا عتاب معه ، ومازال القرآن الكريم يحث على الإعراض عن الجاهلين ، والعفو عن المسيئين حتى من تلطخوا بدم القتل والعدوان ، فإنه مع تشريعه القصاص ، إلا أنه حبَّذ العفو عند المقدرة كما قال سبحانه : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } ، 


كل ذلك ليتحلى المؤمن بالعفو الكريم ، فمن تحلَّ بالعفو عند المقدرة فإنه قد تحلى بخلق الأنبياء ، وعمل بهدي القرآن الكريم .


سامعك أيها القارئ النبيه تقول كيف أستطيع الجمع بين هذين الأمرين : -

إما أن أكون فظّاً مع الناس أو أكون متسامحاً جدّاً ، وفي كلتا الحالتين يعيب عليَّ الناس


أولاً :

يزول الإشكال أخي القارئ  إذا وضعتَ الشيء في مكانه المناسب في كل حال :

فالمسألة الأولى : فإن الغلظة والفظاظة لا تكون إلا مع أعداء الله تعالى المحاربين من الكفار ، ويكون اللين وحسن المعاملة مع المؤمنين وكذلك في دعوة أهل الكتاب . فالغلظة لا تصلح هنا وإلا إنفض عنك المؤمنون ولم يستفد أهل الكتاب من دعوتك .

فمن الحكمة إستعمال اللين في معاشرة المؤمنين ، كما قال رب العالمين

( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )

وقال أيضاً : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )

 فأمر باللين في هذه المواضع وذكر ما يترتب عليه من المصالح ، كما أن من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها .

قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ )  لأن المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة ، بل قد تعين فيه القتال ، فالغلظة فيه من تمام القتال ، وقد جمع الله بين الأمرين في قوله في وصف خواص الأمة ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )

أما المسألة الثانية : هل العفو والمسامحة أفضل أو أخذ الحق ؟

أن العفو أفضل من حيث الأصل لكن قد يوضع في غير مكانه فلا يكون أفضل ، بل قد يأثم العافي .

فالذي يعفو عن المسيء المستحق للعفو : فإن له البشرى وله الأجر والثواب في الآخرة ،

فرب العزه قال فى كتابه العزيز 

( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) 


ويشترط لهذا الفضل وذاك الثواب للعافي ثلاث أمور يجب أن يتحقق منها :

١- أن يعفو عن حقِّه قاصداً الأجر والفضل من الله 

فعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

( يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ : مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً ) رواه أحمد ( 15 / 390 )

٢- أن يكون قادراً على أخذ حقه ، فلا يعفو لضعف ولا لعجز .

وهو واضح في المعنى اللغوي والشرعي للعفو ، وقد قال البخاري في صحيحه ( 2 / 863 ) : باب الاِنْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ( لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) ، (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) ، أى كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا ، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا 

وبهذا الأمر تتبين قوة ومهابة العافي عن المسيء من المستحقين للعفو ، فعندما تظهر قدرته على الانتصار والانتقام ويعفو عنه : يكون قد حقق لنفسه المهابة وحاز فضل وأجور العفو .


٣- أن يترتب على عفوه إصلاح ، ولا يترتب ضرر .


قال تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فلا يعفو عن مجرم معروف بالشر وإيقاع الضرر بالناس ، بل تجب عقوبته وكف يده عن الناس بما يُستطاع


وهنا تكون قد حققت الأمرين ، العفو مع حفظ الهيبه وأيضا تكون قد حصلت على العزه 

 فقد بيّن النبي الكريم ما يحصل عليه العافى بقوله :  { وما زاد الله عبداً بعفو ، إلا عزاً }


سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

اضف تعليق

أحدث أقدم