بقلم : أيمن شاكر
يُقال إنه منذ قديم الأزمنة كان العالم كله يتكوّن من الرذائل والفضائل فقط ، وذات يوم شعرت الفضائل والرذائل بالملل ، وبعد مشاوراتٍ قرر الجميع أن يلعبوا لعبة الغميضة وصاح الجنون
قائلاً : " أنا من سيبدأ اللعب ، سأغمض عيني وأبدأ العدّ ، أما أنتم فباشروا بالتخفّي والاختباء ".
وهكذا اتكأ الجنون على الشجرة وباشر العد ، وبدأت كل الفضائل والرذائل بالاختباء ، فاختبأت الخيانة في كومةٍ من القمامة ، واتخذت الرقة مكاناً لها فوق القمر ، أما الولع فقد أخفى نفسه بين الغيوم ، والشوق لجأ إلى باطن الأرض ... واستمرَّ الجميع بالتخفّي باستثناء الحب ، والذي كعادته لا يقدر على اتخاذ القرار ولا يستطيع التخفّي ، وما إن كاد الجنون يصل إلى نهاية تعداده ، حتى قرّر الحب أن يقفز فجأة في باقةٍ من الورود.
وفي محاولاتٍ يائسة للبحث عنه ، جاء الحَسَد وقال للجنون إن الحب يتخفّى في باقة الورد ، فركض الجنون ملتقطاً شوكةً خشبيةً وبدأ بطعن الورد بشكلٍ عشوائي ليُجبر الحب على الخروج من مخبئه ، واستمر الجنون في الطعن حتى أصاب الحب في عينه وتسبب في إصابته بالعمى ، وبعدما صرخ الجنون نادماً قال له الحب بصوتٍ ضعيف :
" لن يعود إليّ بصري يوماً بعد الآن ، لكن ما زال هناك ما يمكنك أن تفعله . كن دليلي "
ومن يومها يمشي الحب جميع خطواته وهو أعمى في حين أن الجنون يقوده .
صحيح أن هذه القصّة من نسج الخيال ولا تمت إلى الحقيقة بصلة ، إلا أنها تحمل في طيّاتها مغزى مفيداً وهو أن :- عندما ينخرط المرء في علاقةٍ عاطفية ، من المرجّح حينها أن ينظر إلى الحبيب بمنظارٍ وردي ، فيتغاضى عن عيوبه وهفواته ، وهكذا يصبح المعشوق في نظر العاشق أجمل من الحقيقة نفسها .
فمن منّا لم ينبهر بقصة " الجميلة والوحش " وغيرها من القصص المشوّقة التي تجسّد علاقة حبٍّ غريبةٍ بين طرفين مختلفين عن بعضهما البعض بشكلٍ جذري ؟ والأمر نفسه قد يحدث على أرض الواقع ، حين نصادف شخصين متيّمين ببعضهما البعض رغم أنه لا يوجد أي قاسمٍ مشتركٍ بينهما ، بإستثناء أمرٍ واحدٍ قد يكون هو الأهم على الإطلاق : { الحب }
فللحب حساباته الخاصة والبعيدة أحياناً عن المنطق والعقلانية ، فالبعض يعتبر أن العشق قد يعمي بصيرة العاشق ، ويجعله عاجزاً عن رؤية عيوب حبيبُه فيميل إلى خلق صورةٍ مثاليةٍ عن الشريك ، والتي تكون في بعض الأحيان مزيّفة وبعيدة كل البعد عن الواقع والحقيقة .
ثم نجدهم يبحرون في عالمٍ وردي ، إذ لا يرون الصفات السلبية للشخص الذي يحبونه ويميلون إلى خلق صورةٍ مثاليةٍ عنه ، كما أنهم قد يرفضون الانصات لنصائح المقرّبين ، على إعتبار أنهم يعرفون الطرف الآخر عن ظهر قلب وليسوا بحاجةٍ لمن يُمطرهم بوابلٍ من المواعظ ، إلا أنهم لا يحسنون أحياناً تقييم الأشخاص ، إذ أن الحب قد يعمي أعينهم عن رؤية حقيقة الناس من حولهم ، ويجعل تركيزهم كله منصباً على الشريك فقط.
فلو وصفت الحب ... فالحبُّ فنّ وتناقض قاسٍ وخدعة ملوّنة ، أو نباح كلب أعرج .
ولأننا ليس عندنا ما يكفى من الخبره فنظن أننا إخترنا الحب الذي نعتقد أننا نستحقّه ، وهذا هو العمى ...
فهناك العديد من الفلاسفة والكتّاب الذين حاولوا وصف الحب ، فقد قال عنه شكسبير :
" الحب أعمى والمحبون لا يرون الحماقة التي يقترفونها "
وقال أيضاً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : كرم الله وجهه ... " الهوى شريك العمى "
في حين أن المؤلف اللبناني المشهور ( ميخائيل نعيمة ) كان له رأيه ولكن بشكل مختلف إذ قال :ـ ( يقولون إن الحب أعمى ، وذاك خطأ . بل الحب مبصر ، ولكنه يرى بعين الجمال فيرى كل شيء جميلاً ).
لذلك أقول لك إن الحب خلاصة الحياة . فمتى أحب الناسُ الناسَ ، تقلصت عنهم كل ظلال الشناعة فرأوا كل ما فيهم جميلاً . ومتى رأى الناس كل ما فيهم جميلاً عرفوا الحب . ومتى عرفوا الحب عرفوا الحياة ".
سنلتقي ان كان فى العمر بقيه
إرسال تعليق