بقلم / داليا مهني
في عالمٍ يُفترض أن تسود فيه الرحمة والتعاطف، يظهر البعض بقلوبٍ قاسية، لا تعرف للإنسانية طريقًا، يمعنون في إيذاء من هم أضعف، ويجدون لذّتهم في قهر من يحتاجون إلى دعم لا إلى طعنات. ومن أكثر الفئات تعرضًا لهذا الظلم هم ذوو الاحتياجات الخاصة؛ أولئك الذين اختبرهم الله بظروف خاصة، وجعلهم منارةً للصبر وقوة الإرادة، لكنّ بعض البشر لم يرَ فيهم سوى هدفٍ سهلٍ للتنمر والإهانة.
فذوي الاحتياجات الخاصة ليسوا عبئًا على المجتمع، بل هم جزء منه، يحملون قلوبًا نابضة بالأحلام، وأرواحًا تتوق للحياة. لكن القسوة التي يمارسها البعض تجاههم، سواء كانت بالكلمة الجارحة أو بالفعل المؤذي، ترسم ندوبًا عميقة لا تُمحى. التنمر اللفظي والنفسي الذي يتعرض له الأطفال منهم في المدارس، والتمييز الذي يلاحقهم في أماكن العمل، وحتى الاعتداءات الجسدية التي تطال بعضهم بوحشية، كلّها أشكال من الجرائم غير الإنسانية التي يجب أن يتوقف العالم عن السكوت عنها.
القاسية قلوبهم، لأنهم لم يدركوا أن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد أو العقل، بل في غياب الرحمة عن القلوب. الإعاقة الحقيقية هي العجز عن أن تكون إنسانًا بكل ما تعنيه الكلمة من حب ورحمة ومساندة. أن ترى من يحتاج العون وتسخر منه، أو تتعمد إذلاله، فهذه ليست مجرد إساءة، بل هي انعدام لقيم الإنسانية.
فمن حق ذوي الاحتياجات الخاصة أن يعيشوا بكرامة، أن يُعاملوا بالاحترام الذي يستحقه كل إنسان، أن تُتاح لهم الفرص لا العقبات، وأن يُسمع صوتهم لا يُكمم. وإن مسؤوليتنا كمجتمعات وأفراد أن نحميهم من كل أشكال العنف والتنمر، وأن نربي أبناءنا على قبول الاختلاف والرحمة بالضعفاء.
ما الذنب الذي ارتكبه طفل ولد معاق، ليقابل بنظرات الشفقة مرة، وبالسخرية مرات؟ ما الجريمة التي ارتكبها شاب فقد أحد أطرافه ليمنع من فرصة عمل؟ لماذا يتجرأ البعض على ضربهم، إهانتهم، التحرش بهم أو تجاهل حقوقهم وكأنهم لا ينتمون لهذا العالم؟ إن ما يتعرض له ذوو الاحتياجات الخاصة من تنمر وعنف وتمييز، ليس مجرد تصرفات فردية، بل هو مرآة لآفة أخلاقية اصاب بعض القلوب.
فهؤلاء الابطال يعانون من اولئك الذين يرون الاختلاف ضعفًا، والاحتياج عيبًا. القاسية قلوبهم حين يضحكون على مشية شخص مختلف، أو يتعمدون إحراجه في مكان عام، أو يمنعونه من الوصول إلى خدمة من حقه. القاسية قلوبهم حين يكون بيدهم التغيير، لكنهم يختارون الصمت والتجاهل.
فلنتوقف عن التساهل مع القسوة، ولنواجهها بكل حزم. لأن الصمت عن الظلم، مشاركة فيه. ولأن الإنسانية الحقة لا تُقاس بما نمنحه للأقوياء، بل بما نمنحه للضعفاء من حب و احتواء وكرامة.
فنحن لا نطلب شفقة، بل عدالة. لا نطالب بالتمييز لصالحهم، بل فقط بكسر الحواجز التي أقامها الجهل والخوف من الآخر. أن نُوفّر بيئة آمنة، داعمة، متقبّلة. أن نعلّم أبناءنا احترام كل إنسان، وفهم أن القوة لا تعني السخرية من الضعف، بل أن تمد يدك لمن يحتاجها.
فليس العجز في الجسد، بل في قلوبٍ ماتت فيها الرحمة.
إرسال تعليق