كتب محسن محمد
ظاهره الاختفاء التي لا يتحدث عنها أحد
في لحظةٍ عابرة، في شارعٍ مزدحم أو زقاقٍ ضيق، يختفي طفل. لا صوت، لا شهود، ولا أثر. ينامُ الوالدان على أمل ويصحيان على كابوس، بينما يسجّل دفتر المجتمع واقعةً جديدة، ويمضي كأن شيئًا لم يكن.
ظاهرة اختفاء الأطفال لم تعد نادرة، بل باتت مشهدًا مألوفًا يتكرّر بصمت، ويُقابَل أحيانًا باللامبالاة أو التبرير. طفلٌ خرج ليشتري خبزًا ولم يعد. طفلةٌ لعبت أمام منزلها فابتلعها الفراغ. في كل حيٍّ حكاية، وفي كل قلبٍ مكسور رواية لا تكتمل.
ما الذي يحدث؟
لا توجد إحصاءات دقيقة، وهذا في حدّ ذاته مؤشر خطير. هل نحن عاجزون عن العدّ؟ أم أننا نخشى أن نُحصي مآسينا؟ أسباب الظاهرة كثيرة: من الإهمال الأسري، إلى التسيّب الأمني، وصولًا إلى شبكات الاتجار بالبشر التي تصطاد في صمت وتفلت من العقاب.
لكن الأخطر من كل ذلك هو الصمت المجتمعي. نتداول الخبر ساعات ثم ننساه. نُشفق، نُعلّق، ثم ننتقل إلى منشور تافه أو نكتة عابرة. أما الأسر المنكوبة، فتبقى في انتظار لا نهاية له، تعيش على الأمل وتأكله في آن.
أين الدولة؟ أين الإعلام؟
حين يختفي طفل في دولٍ متقدمة، تُعلن حالة طوارئ، تُغلق الحدود، وتُستنفر الأجهزة. أما في بلداننا، فالأمر لا يعدو كونه "بلاغًا جاري الفحص". فهل ننتظر أن نكون الضحية القادمة حتى نتحرّك؟ وهل صار أمن الأطفال ترفًا لا نملكه؟
الطفل ليس رقمًا
كل طفل يختفي هو قصة اختُطفت، مستقبلٌ ضاع، ووصمة في جبين مجتمعٍ تغافل. كل لحظة نتأخر فيها عن الفعل، تزرع الرعب في قلب أم، وتربّي جيلاً يرى الخوف قبل أن يتعلّم الأمل.
ما الحل؟
للخروج من هذا النفق، نحتاج إلى:
منظومة إنذار مبكر: إطلاق تطبيق وطني لإصدار تنبيهات فورية عند اختفاء أي طفل، يشبه نظام Amber Alert العالمي.
تركيب كاميرات مراقبة في الأحياء، وتفعيل استخدامها بفعالية، مع ربطها بمراكز الشرطة.
رفع الوعي الأسري من خلال حملات إعلامية متواصلة، حول كيفية حماية الأطفال واليقظة المجتمعية.
تشديد القوانين والعقوبات على جرائم الخطف والتغرير بالأطفال.
إطلاق منصات رقمية موحدة لتوثيق حالات الاختفاء والإبلاغ عنها بطريقة آمنة وسريعة.
ظاهرة اختفاء الأطفال ليست عارًا على الأسر فقط، بل على الدولة والمجتمع والإعلام. أكتب هذا المقال لا لأرعبكم، بل لأذكّركم: الطفل الذي اختفى أمس، قد يكون ابنك غدًا.
إرسال تعليق