بقلم: محسن محمد
الوطن ليس مجرد رقعة جغرافية مرسومة على الخريطة، بل هو حالة شعورية عميقة، تبدأ من رائحة التراب بعد المطر، ولا تنتهي بصوت المؤذن عند الغروب. هو الذكرى والصوت واللهجة والطفولة، هو الحنين الذي لا يخبو، والجرح الذي لا يندمل إذا ما فُقد.
في زمن الاضطرابات السياسية والحروب والنزاعات، أصبح مشهد الإنسان اللاجئ متكررًا حدّ الاعتياد، وكأننا نسينا أن وراء كل حقيبة مهترئة قلبًا مكسورًا، ووراء كل خيمة بيتًا كان يضجّ بالضحكات ذات يوم. يُنتزع الإنسان من أرضه قسرًا، لا لأنه أراد الرحيل، بل لأن وطنه هو من لفظه أو فُرض عليه أن يرحل، فيجد نفسه غريبًا في وطنٍ مؤقت، يبحث عن اسمه في أوراق اللجوء، وعن ظله في عيون المارة.
فقدان الوطن لا يعني فقط غياب الجغرافيا، بل هو محوٌ قاسٍ للهوية. يتوه الإنسان بين اللغات واللهجات، يحاول التكيف لكنه لا ينسى، يحاول الابتسام لكنه يختزن الدمع، يمشي لكن لا يعرف إلى أين ينتمي. في كل لحظة، هناك سؤال يطارد: من أنا دون وطني؟
ومع ذلك، يبقى في داخل كل من فقد وطنه شعلة لا تنطفئ. شعلة الحنين، والإصرار، والحلم بالعودة أو بصناعة وطنٍ بديل، وطنٍ لا يُبنى بالحجارة فقط، بل بالكرامة والحرية والأمل.
إنها ليست مجرد مأساة فردية، بل هي جرح في الضمير الإنساني. وما نحتاج إليه ليس فقط أن نحزن أو نتعاطف، بل أن نعيد تعريف مفهوم "الوطن"، ليكون لكل إنسانٍ مكان يحميه لا يخذله، يحتضنه لا يطرده، ويمنحه لا يسلبه.
إرسال تعليق