النزوح في السودان مأساة ووطن يفرغ من أهله

المشاهدات الفعلية للخبر 👁 Flag Counter



 

بقلم/ د.لينا أحمد دبة 

لم يعد النزوح في السودان حدثًا طارئًا أو أزمة عابرة، بل تحوّل إلى واقع يومي يعيشه ملايين المدنيين، هربًا من العنف، والخوف، وانهيار مقومات الحياة. ففي إقليم كردفان وحده، نزح عشرات الآلاف خلال أسابيع قليلة، بينما يواجه أكثر من نصف مليون شخص في مدينة الأبيض خطرًا حقيقيًا يهدد حياتهم، وسط تصعيد عسكري وتدهور إنساني متسارع.

النزوح هنا ليس خيارًا، بل قسرٌ تفرضه فوهات البنادق وانعدام الأمان. عائلات تُجبر على ترك منازلها دون أن تحمل سوى ما خفّ وزنه وثقل ألمه. أطفال ينامون في العراء، ونساء يتحمّلن أعباء مضاعفة في بيئات تفتقر للحماية، وكبار سنّ فقدوا القدرة حتى على الهرب.

الوضع الإنساني يزداد تعقيدًا مع عجز مناطق الاستقبال عن استيعاب المزيد من النازحين، في ظل شُح الغذاء، وتدهور الخدمات الصحية، وغياب المأوى اللائق. المساعدات الإنسانية، إن وصلت، تبقى محدودة ولا تواكب حجم الكارثة، بينما تتفاقم معاناة الفئات الأكثر هشاشة، خاصة الأطفال الذين يواجهون خطر سوء التغذية، والانقطاع عن التعليم، والصدمة النفسية.

ولا يقتصر أثر النزوح على فقدان المسكن، بل يمتد إلى تفكك النسيج الاجتماعي، وتآكل الكرامة الإنسانية، وضياع الإحساس بالانتماء. إنسان كان منتجًا في مجتمعه أصبح رقمًا في مخيم، ينتظر معونة لا تكفيه ليومين، ويحلم فقط بليلة بلا خوف.

إن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة إنسانية أعمق، تهدد بفقدان جيل كامل مستقبله، ما لم تتحرك الإرادة المحلية والدولية بشكل جاد. فالمطلوب اليوم ليس بيانات قلق، بل حماية حقيقية للمدنيين، وضمان وصول المساعدات دون عوائق، والعمل على وقف العنف الذي يدفع الناس للنزوح مرة بعد مرة.

في السودان، النزوح ليس مجرد حركة بشرية، بل جرح مفتوح في جسد وطن، لن يندمل ما لم تتوقف الحرب ويُعاد للإنسان حقه الأساسي في الأمان والعيش بكرامة داخل أرضه.

اضف تعليق

أحدث أقدم