في زمن الساعة مات التأني

المشاهدات الفعلية للخبر 👁 Flag Counter




كتب محسن محمد 

في زمنٍ نلهث فيه خلف اللحظة التالية، ونقيس النجاح بعدد الإنجازات لا بجودتها، بدأ التأني يتوارى عن المشهد. أصبحنا نأكل بسرعة، نتحدث بسرعة، نحب بسرعة، ونغضب بسرعة... حتى الأحكام نصدرها بلمح البصر. كأن الصبر قد صار عملةً نادرة في سوقٍ يعجّ بالقلق والتسرّع.


لم نعد نُصغي... بل ننتظر دورنا في الحديث.

بات الاستماع فنًا منقرضًا، إذ يندر أن تجد من ينصت إليك بصدق دون أن يقاطعك بنصيحة، أو يستعجل نهاية حديثك ليُدلي برأيه. وحتى في العلاقات، نبحث عن الإشباع السريع، ونهرب عند أول خلاف، وكأننا لا نملك وقتًا لإصلاح ما ينكسر.


التأني لا يعني البطء... بل النُضج.

في مجتمعٍ باتت السرعة معيارًا للكفاءة، غفلنا عن أن بعض الأمور لا تنضج إلا على نارٍ هادئة. الصداقة، الثقة، الفهم العميق... كلّها تحتاج وقتًا لتتشكل. لكن من يمنحها هذا الوقت؟ ومن يجرؤ على أن يتمهّل في عالمٍ يُكافئ العجلة؟


صرنا نستهلك أكثر مما نتذوّق.

حتى لحظات السعادة لا نستمتع بها، بل نُسرع لتوثيقها بصورة، أو مشاركتها عبر شاشة. نركض خلف التجارب لا لنعيشها، بل لنقول إننا عشناها. وهكذا نمر على الحياة مرور العابرين، لا الساكنين.


فلنُبطئ قليلًا... قبل أن نفقد إنسانيتنا.

لعلّ التأني اليوم، هو شكلٌ من أشكال المقاومة. مقاومة السطحية، والتسرّع، والاستهلاك. أن تختار أن تُنصت، أن تتأمل، أن تتأنى... هو أن تمنح نفسك والعالم من حولك فرصةً للفهم، لا فقط للتفاعل.


ففي زمن السرعة، التأني ليس ترفًا... بل ضرورة.

اضف تعليق

أحدث أقدم