خمسين قرش

المشاهدات الفعلية للخبر 👁 Flag Counter


كتب أحمد هانى 

 في صباح كل يوم اعتاد الموظف على الذهاب إلى الاجتماع عمله باكرًا في موعده؛ حتى يتجنب التأخير والجزاءات. وفي أحد الأيام فوجئ الموظف بأن سائقي حافلات النقل الجماعي (الميكروباص) يريدون زيادة تعريفة الركوب دون وجه حق، فلا زيادة في أسعار الوقود أو صدور قرار بذلك من الجهة المختصة بهذا الأمر.

فأقسم الموظف على ألا يدفع هذه الزيادة الظالمة، وسأل أحد السائقين: لماذا هذه الزيادة؟! فأجاب السائق في ضيق: بسبب نقل مكان تجمعنا لمكان آخر أُجبرنا على اتخاذ طريق أطول؛ ما يعرضنا لخسارة الوقود دون وجه حق.


فقال الموظف: هذا صحيح ولكن إذا كان هذا المكان الذي تتجمعون فيه قد نُقل إلى مكان آخر جعلكم توفرون استهلاك الوقود ولا تخسرونه هل كنتم ستقلِّلون تعريفة الركوب؟ فأجاب السائق: لا.. المهم أن التعريفة قد زادت، ستركب أم ستترك الحافلة؟


فنزل الموظف من الحافلة أشد إصرارًا وتصميمًا، وأقسم بأغلظ الأيمان على ألا يستسلم لهذه السرقة، بالرغم من كون الزيادة لا تساوي شيئًا (خمسون قرشًا)، ولكن الموظف اكتشف أن الاستسلام لهذه الظاهرة سيؤدي لمزيد من الغلاء دون وجه حق أو حتى قانون رسمي.


 وفي اليوم التالي ذهب الموظف ليستقل الحافلة؛ ليذهب إلى عمله. وبعد انتظار طويل أتى دوره ليركب، فاصطدم بأحد السائقين الذين يريدون زيادة تعريفة الركوب.


فقال الموظف في حدة: لن أدفع سوى التعريفة الرسمية. فقال السائق له: انزل من الحافلة. فرد الموظف: لن أنزل من الحافلة. فهمَّ السائق بالموظف ليضربه ويهجم عليه، ولكن الموظف نجح في الدفاع عن نفسه. فأقسم السائق بالطلاق على الموظف ليترك الحافلة.


وأصر الموظف على موقفه. ولكن الموظف فوجئ بأن الركاب أذعنوا واستسلموا لهذا الأمر، وكأنه أمر قانوني لا يقبل النقاش أو الاعتراض. ولكن الموظف لم يستسلم، وأصر على موقفه.


فإذا بأحد السائقين الآخرين يقول للموظف: اركب معي وادفع ما شئت أو لا تدفع فهذا شأنك. ولكن الموظف قد دفع معظم الأجرة للسائق الأول، فقرر أن يدفع بقيتها للسائق الثاني وهي الخمسون قرشًا.


المهم أنه بعد هذا حرر الموظف محضرًا رسميًّا في قسم الشرطة، ودوَّن فيه أرقام سيارتهم بالتفصيل، واشتكى لمدير المكان (الموقف) وللجهات المعنية بهذا الأمر، ولم يكل أو يمل من هذا الأمر بالرغم من هجوم السائقين والركاب عليه، ولكنه بفضل الله تمكَّن ونجح في الدفاع عن نفسه.


حتى جاء الفرج من عند الله واستجابت الجهات المعنية لشكواه المتكررة، وقامت بحملة تفتيشية على هذا المكان حتى ضبطت وحررت مخالفات كثيرة. ولكن المدهش في الأمر أن الركاب تعاملوا مع الأمر بسلبية، وظلوا يدفعون الزيادة غير الرسمية.


فقرر الاتجاه لركوب المترو على الرغم من كونه أغلى في الأجرة، ولكن الموظف كان على اقتناع بأن الزيادة عندما تأتي من الدولة فهي تعود للمواطن في صورة خدمات، أما الزيادة عندما تأتي من فئة دون وجه حق فهذا يؤدي لمزيد من الغلاء بغير سبب. وصدق الله العظيم إذ قال: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

اضف تعليق

أحدث أقدم