كتب محسن محمد
في زحمة الحياة المعاصرة، حيث تتسارع الأيام وتتراكم المسؤوليات، تبدو الأسرة - التي كانت يومًا ما ملاذ الإنسان الأول ومصدر طمأنينته - وكأنها تخوض معركة صامتة للبقاء، تحاول أن تحفظ مكانتها وسط عالم يتغير أسرع من قدرتها على التكيّف.
الأسرة، التي طالما كانت نواة المجتمع، لم تعد كما كانت. تغيّرت الأدوار، واهتزّت القيم، وبدأت العلاقات داخلها تتخذ طابعًا وظيفيًا أكثر منه إنسانيًا. فالأب، الذي كان رمز الحضور والحكمة، بات غائبًا أغلب وقته، منهكًا في دوامة العمل والالتزامات. والأم، التي كانت عماد الحنان، صارت توزّع قلبها بين المنزل، والعمل، وضغوط لا تنتهي. أما الأبناء، فبين الشاشات والأجهزة، كبروا في عزلةٍ ناعمة، يتعلّمون من العالم الرقمي أكثر مما يتعلّمون من أحضان آبائهم.
لكن هل اللوم يقع على الأفراد أم على الحياة ذاتها؟
ربما المسألة أعقد من مجرد توزيع اتهامات. فالعصر الذي نعيشه فرض إيقاعه علينا جميعًا، حتى باتت اللحظة العائلية الحميمة ترفًا نادرًا. أصبح اللقاء العائلي مجرّد صورة تُؤخذ في مناسبة، أو عشاءٍ سريع تُقاطعه الإشعارات.
والسؤال الأهم: ماذا تبقى من الأسرة إذا غابت عنها الروح؟
العلاقة الأسرية لا تُقاس بعدد اللقاءات، بل بمدى الصدق فيها. لا يُشترط أن تكون الأسرة مثالية، لكن ينبغي أن تبقى حيّة، تتنفّس الحب، وتمنح أفرادها الإحساس بالانتماء. فالمجتمع القوي لا يُبنى بالقوانين وحدها، بل بالأسر المتماسكة.
اليوم، نحن بحاجة إلى إعادة تعريف علاقتنا بأسرنا. أن نمنحها وقتًا لا يخصم منّا، بل يُضيف إلينا. أن نُعيد إلى الوجوه المألوفة دفئها، وإلى الجلسات العائلية معناها. فربما نجد في قُربنا من بعضنا ما يعيد للحياة توازنها المفقود.
إرسال تعليق