كتب محسن محمد
"هم لا يسمعونني."
عبارة يرددها الكثير من شباب هذا الجيل، لا عن كبرياء، بل عن ألم. في البيت، يواجهون آباءً يريدون تكرار أنفسهم. وفي المدرسة، يلتقون بمعلمين يريدون نسخًا مطابقة لتصوّراتهم القديمة. وفي الحالتين، يُخنق صوت الشاب، ويتحول الحوار إلى أوامر، والنقاش إلى معركة، والحياة إلى صمت.
لكن، لنسأل بصدق: كيف يمكن أن ننشئ جيلًا سويًا، إذا كان لا يستطيع التعبير عن نفسه أمام أقرب الناس إليه؟
الأسرة... حيث تُبنى الجسور أو تُهدم
البيت ليس جدرانًا فقط، بل أول مساحة يُجرّب فيها الطفل معنى "أن يسمعني أحد". فإذا ما قوبلت تساؤلاته بالاستهزاء، أو مشاعره بالتقليل، أو رغباته بالمنع التلقائي، كيف له أن يثق في الحوار لاحقًا؟
الأب الذي لا يستمع إلا ليأمر، والأم التي تُربّي بالخوف لا بالحب، كلاهما لا يخرّجان شابًا ناضجًا، بل شابًا صامتًا أو متمرّدًا أو متظاهرًا بالقبول وهو يغلي من الداخل.
الحوار الأسري لا يبدأ عند المراهقة، بل منذ الطفولة. عندما يسأل الطفل "لماذا؟" ويُجاب بإقناع لا بانفعال، عندما يبكي ويُحتوى لا يُسكت، عندما يُخطئ ويُشرح له لا يُعاقب فقط.
التعليم... حين يُصبح الصمت هو النجاة
في مدارسنا، كم من معلم يطرح سؤالًا حقيقيًا؟ كم من حصة يشعر فيها الطالب أن صوته مهم، أن رأيه مسموع، أن تفكيره لا يُستهزأ به؟
للأسف، ما زال التعليم قائمًا على التلقين، لا التفكير، وعلى الحفظ، لا النقاش.
الطالب الذي يُحرج أمام زملائه لأنه سأل سؤالًا "غبيًا"، لن يسأل مرة أخرى. والفتاة التي يُسخر منها لأنها عبّرت عن فكرة جريئة، ستختار الصمت كخيارٍ دائم.
نحتاج إلى تعليم يُنبت الأسئلة لا يُطفئها. إلى مدارس تسمح بالخطأ، وتُكافئ التفكير، وتفتح باب الحوار لا فقط باب الامتحان.
كيف نُصلح المسار
على الأسرة أن تراجع أسلوبها التربوي: لا مزيد من الصراخ، ولا منطق "لأنني قلت فقط".
على الآباء أن يسألوا أبناءهم: "ما رأيك؟" لا "ماذا فعلت
على المدرسة أن تُعيد النظر في علاقتها بالطالب: هل المعلم شريك في بناء الشخصية أم سلطة تُرعب وتُلقّن؟
على المجتمع كله أن يعترف: الحوار ليس ترفًا، بل ضرورة تربوية وأمن اجتماعي.
الخلاصة
صوت الشاب ليس عيبًا يجب قمعه، بل مفتاحًا لفهمه. وإذا كنا نريد جيلًا سويًا، قويًا، متزنًا، فالبداية تكون من سؤال بسيط لا يُطرح كثيرًا:
"ماذا تفكر؟"
لا لأجل الإجابة فقط، بل لأجل أن يشعر أن هناك من يهتم ليسمعها.
إرسال تعليق