كتب محسن محمد
في زمنٍ باردِ المشاعر، صارَ الطَّيِّبُ غريبًا، والصادقُ موضعَ شبهة، والنِّيَّةُ السَّليمة تُفَسَّرُ على أنَّها سذاجة!
لم تَعُدِ النُّفوسُ ترتاحُ لمن يُحِبُّ بِصِدق، ولا تُصَدِّقُ من يَتَكلَّمُ من قلبه…
صارَ الطبيعيُّ أن نَشُك، أن نَخاف، أن نَبتعد.
وإن اقتربَ منكَ أحدٌ بصدقٍ ونقاء، سَرعانَ ما يَهْمِسُ قلبُك: "لا بدَّ أنَّه يُخْفِي شيئًا!"
نعم… الناسُ باتَتْ تَخَافُ مِنَ الطَّيِّبِينَ،
لا لأنَّهم خطر، بل لأنَّهم مِرْآةٌ تَفْضَحُ القسوةَ المُقَنَّعَةَ في وجوهِ الجميع.
من يقول "أنا هنا من أجلك" يُتَّهَمُ بالتَّمثيل،
ومن يَمنحُ دونَ مقابل يُوصفُ بالغباء،
ومن يَعيشُ بمبدأ، يُنعتُ بأنَّه "مش فاهم الدنيا"
لكنّ الحقيقة المُرَّة أنَّ المجتمعَ اعتادَ على الزَّيفِ حتى صارتِ الأصالةُ تُخيفه…
واعتادَ على الخِداعِ حتى باتَ يُكذِّبُ كلَّ صادق.
الطَّيِّبُ ليسَ ضعيفًا،
والنقيُّ ليسَ ساذجًا،
والحقيقيُّ ليسَ مكسورًا…
بل هو إنسانٌ تَمسَّكَ بإنسانيَّتِه وسطَ عالمٍ يتحوَّلُ تدريجيًا إلى غابة.
مشكلتنا ليستْ في الطَّيِّبين…
مشكلتنا في أنَّنا اعْوَجَجْنَا حتى صارتِ الاستقامةُ تُرْهِقُنا.
فإن كُنتَ طيبًا… لا تَتَغَيَّر.
وإن كُنتَ نقيًّا… لا تَتَلَوَّث لتُرضي أحدًا.
ابقَ كما أنت… لأنَّ الزَّمن، مهما طال، سيشتاقُ إلى أمثالك،
حينَ يتعبُ من القُسوة… سيبحثُ عنك.
إرسال تعليق