"السندريلا التي هزمتها الحياة"

المشاهدات الفعلية للخبر 👁 Flag Counter




كتابة: أحمد محمود العمده 

في مثل هذه الأيام، يمر عام جديد على رحيل سعاد حسني، النجمة الاستثنائية التي رسمت ملامح جيلٍ كامل من خلال السينما والمسرح والتلفزيون. لم تكن مجرد فنانة، بل كانت رمزًا للأنوثة والبساطة والموهبة النقية، التي دخلت القلوب دون استئذان، وظلّت تسكنها حتى بعد رحيلها.


رحلت سعاد في 21 يونيو 2001، وسقطت من شرفة شقة في لندن، تاركة وراءها مئات الأسئلة، وقصة لا تزال مفتوحة حتى الآن.


وُلدت سعاد محمد كمال حسني البابا في 26 يناير 1943 بحي بولاق الشعبي في القاهرة، لعائلة شامية الأصل، تنتمي إلى عالم الفن والخط العربي. والدها كان الخطاط السوري الشهير محمد حسني البابا، أحد أبرز الخطاطين في مصر، وكانت والدتها ربة منزل مصرية تُدعى جوهرة.

كانت الأسرة كبيرة، إذ كانت سعاد هي الابنة العاشرة من بين 17 شقيقًا وشقيقة من الأم والأب، وكان من بينهم المطربة الشهيرة نجاة الصغيرة – أختها غير الشقيقة.

بدأت سعاد حياتها الفنية في سن مبكرة للغاية، حيث التحقت بفرقة بابا شارو الإذاعية للأطفال، وهناك تعرّف الناس لأول مرة على صوتها وخفة دمها. ولم تكن تعلم أن هذا الطريق البسيط سيفتح لها أبواب المجد.

كانت أولى خطواتها في السينما عام 1959 عندما اختارها المخرج الكبير هنري بركات لبطولة فيلم "حسن ونعيمة" أمام المطرب محرم فؤاد، وهو الفيلم الذي مثّل انطلاقة حقيقية لها، وحجز لها مكانًا دائمًا في قلوب الجمهور.

نجاح الفيلم شكّل بداية سلسلة طويلة من النجاحات المتتالية، لتصبح سعاد حسني خلال فترة قصيرة واحدة من أهم نجمات الشاشة، خصوصًا في فترة الستينيات والسبعينيات، التي تُعد العصر الذهبي للسينما المصرية.


قدّمت سعاد حسني خلال مشوارها ما يزيد عن 83 فيلمًا سينمائيًا، تنوعت أدوارها بين الكوميديا، والدراما، والرومانسية، والسياسة. استطاعت أن تمثل المرأة المصرية بجميع حالاتها، من الفتاة البسيطة في الحارة، إلى السيدة الأرستقراطية، إلى المُعلمة الشعبية، إلى المثقفة المناضلة.

من أبرز أفلامها:

خلي بالك من زوزو (1972): أحد أشهر أفلامها وأكثرها جماهيرية، وظلّ يُعرض في السينمات لأكثر من عام.

الكرنك (1975): فيلم سياسي شديد الجرأة، ناقش التعذيب والاستبداد في عهد عبد الناصر.

القاهرة 30، غروب وشروق، الزوجة الثانية، شفيقة ومتولي، أين عقلي، الناس والنيل، الراعي والنساء (آخر أفلامها).

تميّزت سعاد بقدرتها على الغناء والرقص والتمثيل في آنٍ واحد، لتصبح بذلك نموذجًا متفرّدًا من الفنانات العربيات، القادرات على الأداء الكامل دون اصطناع.


رغم الشعبية الجارفة التي تمتعت بها، لم تكن سعاد حسني من هواة السعي وراء الجوائز. لكنها حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات من:


مهرجان القاهرة السينمائي


جمعية الفيلم


وزارة الثقافة المصرية


نقابة المهن التمثيلية


تكريم خاص من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن دورها في فيلم الناس والنيل

وحتى بعد رحيلها، تم تكريمها في أكثر من مناسبة، وأُطلقت اسمها على شوارع ومدارس وقاعات سينما، تقديرًا لما قدّمته.

في أواخر التسعينيات، بدأت حالة سعاد الصحية والنفسية في التدهور، نتيجة عمليات جراحية فاشلة لعلاج مشاكل العمود الفقري والأسنان، بالإضافة إلى ضغوط نفسية حادة بعد أن شعرت بأنها أصبحت منسية فنيًا.

سافرت إلى لندن للعلاج والإقامة بعيدًا عن الأضواء. وهناك، وفي شرفة بالطابق السادس من مبنى ستيوارت تاور، سقطت جثتها، لتبدأ الروايات المتضاربة:

الشرطة البريطانية سجّلت الحالة كـ"انتحار"

عائلتها رفضت الرواية، واتهمت جهات غامضة باغتيالها

الصحافة فتحت ملفًا من التساؤلات، ظلّت إجاباته غائبة حتى اليوم.

الجثة دُفنت في القاهرة، في جنازة مهيبة شارك فيها آلاف المواطنين، وكانت آخر مشاهدها المأساوية التي أحزنت الوطن العربي كله.

رغم رحيلها الجسدي، إلا أن سعاد حسني لا تزال جزءًا من ذاكرة ووجدان الناس. أفلامها لا تزال تُعرض حتى الآن، وصورتها ما زالت تُعلّق في البيوت، وصوتها يملأ مواقع التواصل الاجتماعي.


يقول أحد متابعيها على فيسبوك:


> "كلما أشاهد فيلمًا لها، أشعر أن الحياة ممكنة من جديد. كانت قادرة على تحويل الحزن إلى أمل، والمأساة إلى ضحكة."


أما الفنانة منى زكي فقالت عنها في لقاء تلفزيوني:

 "سعاد حسني كانت مدرسة. لا يوجد فنان أو فنانة حقيقية في مصر لم يتأثر بها."


سعاد حسني لم تكن مجرد ممثلة بارعة، بل كانت مرآة لروح مصر، وبوصلة لمشاعر الجمهور. عاشت حياة مليئة بالتناقضات، بين البساطة والنجومية، الفرح والألم، المجد والوحدة.

ورغم أن الحياة قد هزمتها في لحظة ما، فإنها انتصرت في الذاكرة، في الشاشة، في الفن، وفي حب الناس.

22 عامًا على الغياب، وما زالت الحكاية تُروى... لأن بعض النجوم لا تموت، بل تضيء بعد الرحيل

اضف تعليق

أحدث أقدم