كتب: محمود محمد
لم تكن سعاد حسني مجرد نجمة سينمائية، بل كانت حالة فنية وإنسانية نادرة، بابتسامتها الساحرة وصوتها الدافئ، استطاعت أن تحفر اسمها في ذاكرة الفن العربي، وتصبح رمزًا للجمال والتمرد والصدق الفني، منذ أول ظهور لها على الشاشة، خطفت القلوب، وفرضت حضورها كواحدة من ألمع نجمات العصر الذهبي للسينما المصرية.
وُلدت سعاد في القاهرة عام 1943، وسط أسرة فنية، وكان والدها خطاطًا شهيرًا، وأختها غير الشقيقة هي المطربة نجاة الصغيرة، لم تدرس في مدارس نظامية، لكنها تعلمت من الحياة، ومن الفن، ومن الكتب التي قرأتها بشغف، اكتشفها الشاعر عبد الرحمن الخميسي، وقدمها للجمهور في مسرحية "هاملت"، ثم انطلقت بسرعة الصاروخ في أول أفلامها "حسن ونعيمة" عام 1959.
على مدار أكثر من ثلاثين عامًا، قدمت سعاد حسني أكثر من 90 فيلمًا، من بينها "الزوجة الثانية"، "القاهرة 30"، "صغيرة على الحب"، و"خلي بالك من زوزو" الذي أصبح أيقونة في السينما المصرية، كانت تتنقل بين الكوميديا والتراجيديا والاستعراض بسلاسة، وتُجسد المرأة المصرية بكل تناقضاتها وجمالها وقوتها وضعفها.
ولم يكن تأثيرها الفني مقتصرًا على الأداء فقط، بل غيرت سعاد حسني الصورة النمطية للمرأة في السينما المصرية، جسدت المرأة القوية، المستقلة، المتعلمة، والعاطفية في آنٍ واحد، وكسرت التابوهات الاجتماعية والسياسية في أفلام مثل "الكرنك" و"غروب وشروق"، كانت فنانة شاملة تجيد التمثيل والغناء والرقص، وقدمت نموذجًا جديدًا للممثلة المتكاملة التي تستطيع أن تؤدي أي دور مهما كان صعبًا أو غير مألوف.
وفي أحد لقاءاتها، عبرت سعاد عن فلسفتها الفنية بقولها:
"أنا مش عايزة أبقى نجمة، أنا عايزة أبقى فنانة"
كلمات بسيطة، لكنها تلخص مسيرتها التي كانت فيها الصدق الفني أهم من الأضواء.
حصلت على جوائز عديدة، وتم تكريمها من الرئيس أنور السادات في عيد الفن، واختيرت ضمن أفضل ممثلات القرن العشرين في احتفالية مئوية السينما المصرية، لكن حياتها الشخصية لم تكن بنفس بريق الشاشة، مرت بتجارب صعبة، وتزوجت أكثر من مرة، من بينهم المخرج علي بدرخان والكاتب ماهر عواد.
وفي 21 يونيو 2001، رحلت سعاد حسني في حادث غامض بلندن، لا يزال يثير الجدل حتى اليوم، البعض يرى أنه انتحار، وآخرون يعتقدون أنه اغتيال، لكن الحقيقة غابت مع رحيلها.
ورغم مرور أكثر من عقدين على وفاتها، لم تغب سعاد عن قلوب جمهورها، لا تزال أفلامها تُعرض، وأغانيها تُردد، وصورتها تزين جدران الذكريات، سعاد حسني لم تكن مجرد فنانة، بل كانت صوتًا للحياة، وصورة للجمال، ورمزًا للتمرد الراقي.
إرسال تعليق