كتب/ ماجد شحاتة
القاهرة — أعلنت مصادر مطلعة دخول الهدنة بين الأطراف المعنية حيز التنفيذ بدءًا من الساعة الثانية عشر ظهر اليوم، في خطوةٍ حملت معها سلسلة إجراءات فورية ومتدرجة تهدف إلى فتح نافذة لوقف العمليات العسكرية وتمهيدًا لمفاوضات أوسع بشأن مستقبل قطاع غزة.
وفق برنامج التنفيذ المتداول، شملت الساعات الأولى من اليوم جدولًا زمنيًا محددًا يبدأ بمصادقة حكومة الاحتلال على بنود الاتفاق داخل الكنيست في الساعة الرابعة عصرًا، تليها نشر خريطة الانسحاب الأولى وقوائم بالأسرى المرشحين للإفراج عنهم، قبل انطلاق انسحاب ميداني خلال الساعات المسائية وصولًا إلى حدود المرحلة الأولى المعلنة.
ومن المتوقع أن يستمر الانسحاب خلال يومي الجمعة والسبت، فيما أشارت التفاصيل إلى أن المقاومة الفلسطينية ستجهز قوائم الأسرى الأحياء والجثامين التي ستسلم لاحقًا كخطوة مرافقة لمسار تبادل الأسرى.
على صعيد التوقيع والإعلان الرسمي، ترددت معلومات عن زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي (ترامب) إلى المنطقة يوم الأحد لتوقيع الاتفاقية والإعلان عن «إنهاء الحرب» رسميًا، مع احتمال لإلقاء كلمة أمام الكنيست. وفي أعقاب ذلك، يُفترض أن يبدأ يوم الاثنين تسليم الأسرى من الطرفين تحت إشراف مصري وقطري وتركي، كما ستبدأ إسرائيل بتخفيف القيود على المعابر والسماح بدخول قوافل مساعدات يومية — بدايةً بحوالي ٤٠٠ شاحنة يوميًا على أن يرتفع هذا الرقم لاحقًا.
أما عن البنود الجوهرية للاتفاق فيتضمن مشروع مبادرة مكوّنًا من عشرات المواد التي تشمل إعادة إعمار القطاع، إطلاق سراح رهائن، وترتيبات أمنية متعلقة بترتيب السلاح في القطاع. ورغم أن مسودة الاتفاق تضمنت في صورتها الأولية بندًا يطالب بنزع سلاح حركة حماس، فقد أظهرت المواقف الميدانية والدبلوماسية رفضًا لهذا البند من جانب المقاومة، فيما دعمت مصر احتفاظ المقاومة بوحداتها، مع تعهّد بتسليم السلاح مستقبلًا للسلطة الفلسطينية كجهة مسؤولة عن إدارة القطاع.
فيما يتعلق بالهيكل الإداري المقترح لمرحلة ما بعد الهدنة، تضمنت الخطة فكرة «مجلس سلام» دولي يضم مشرفين من دول عربية وتولى قيادة رمزية للرئيس ترامب، مع إدارة تنفيذية مقترحة يقودها شخصية دولية معروفة (توني بلير حسب الصيغة المتداولة). لكن الحركة الفلسطينية المقاومة رفضت أي إدارة دولية مباشرة للقطاع، مؤكدَةً أنها تقبل إدارة فلسطينية — حكومة تكنوقراط وطنية تحت إشراف السلطة الوطنية ودعم عربي وإسلامي، وهو الموقف الذي تلقت فيه القاهرة دعماً واضحًا ويجري التفاوض عليه حاليًا.
الخلاصة السياسية المباشرة تكمن في أن المشهد الراهن يعكس نجاحًا جزئيًا للرؤية المصرية في تشكيل توافق ميداني وسياسي حول إدارة ما بعد الحرب بسلطة فلسطينية أو حكومة تكنوقراط فلسطينية مدعومة عربيًا، فيما تبقى المرحلة الثانية من المفاوضات محورًا حاسمًا في تقرير مصير الحركة وعلاقة القطاع مع المنظومة الإقليمية والدولية.
على الصعيد الإسرائيلي، تعكس التطورات ضغوطًا سياسية داخلية كبيرة على القيادة، التي تبدو أمام احتمال خسارة رصيد سياسي داخلي إذا ما اعتُبرت الهدنة تراجعًا عن أهداف الحرب. مراقبون يرون أن ذلك قد يدفع مسؤوليها إلى سعيٍ لإيجاد مسارات بديلة للحفاظ على قاعدة الدعم السياسي، حتى إنّ بعض القراءات تشير إلى احتمال تصعيد خارجي يستهدف ملفات إقليمية أخرى.
ختامًا، يشير الواقع الحالي إلى أن الهدنة فتحت نافذة زمنية لتنفيذ بنود عملية لتخفيف معاناة المدنيين واستئناف دخول المساعدات وإطلاق سراح أسرى، بينما تبقى المفاوضات السياسية التالية — المتعلقة بتفاصيل السيادة والإدارة والتسليح — مفتوحة ومحورية لتحديد مستقبل القطاع واستقرار الوضع الإقليمي.
إرسال تعليق