كتب/ ماجد شحاتة
في السادس من أكتوبر، اليوم الذي يحمل في ذاكرة المصريين معنى النصر والعزة، تكتب مصر فصلًا جديدًا من مجدها، ليس في ساحة المعركة، بل في ميدان الحضارة والفكر. فقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) فوز العالم المصري الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام للمنظمة، ليصبح أول مصري يقود المؤسسة الثقافية والتعليمية الأكبر في العالم.
هذا الفوز لم يكن وليد صدفة أو مجاملة دبلوماسية، بل هو اعتراف عالمي بمكانة مصر وريادتها الحضارية، وتجسيد حقيقي لقوتها الناعمة التي لطالما أثرت في ضمير الإنسانية منذ آلاف السنين.
فمصر، التي خاضت حربها في أكتوبر بالسلاح، تخوض اليوم حربها بالعلم والثقافة، وتنتصر من جديد في ساحة الفكر والمعرفة.
العناني ليس سياسيًا تقليديًا، بل عالم مصريات نذر حياته لخدمة التراث والهوية المصرية.
وُلد في الجيزة عام 1971، وتخرّج في الجامعات المصرية، ثم نال درجة الدكتوراه من فرنسا في علم المصريات.
ذاع صيته عندما تولى وزارة السياحة والآثار، حيث قاد مشروعات كبرى غيّرت وجه المشهد الثقافي، أبرزها المتحف القومي للحضارة المصرية، وموكب المومياوات الملكية الذي تابعه العالم بانبهار، مؤكدًا أن الحضارة المصرية لا تزال حية تنبض في وجدان البشر ،
جاء فوز العناني في يوم يحمل رمزية لا تخطئها العين: ذكرى انتصار أكتوبر.
وكأن القدر أراد أن يقول للعالم إن مصر قادرة على أن تنتصر في كل الميادين بالسلاح حينًا،
وبالثقافة والفكر دائمًا.
فبين نصر عسكري بالأمس ونصر حضاري اليوم، تثبت مصر أنها أمة تعرف طريق المجد مهما تغيّرت المعارك.
اختيار العناني لا يضيف فقط إلى رصيد مصر الدبلوماسي، بل يفتح أمامها بابًا أوسع لتكون في صميم صنع القرار الثقافي والتعليمي العالمي.
فبوجود مصري على رأس اليونسكو، يصبح للتراث الإنساني صوتٌ يعرف قيمته، وللتاريخ من يحميه من التسييس والنسيان،
لا شك أن الطريق أمام المدير العام الجديد ليس مفروشًا بالورود.
تنتظره أزمات تمويل، وضغوط سياسية، وصراعات نفوذ بين القوى الكبرى داخل المنظمة، لكن وجوده في هذا الموقع يمنح مصر مكانًا متقدمًا في صياغة السياسات الثقافية العالمية.
إنه تحدٍ جديد لابن الحضارة، لكنه أيضًا فرصة ليُثبت أن مصر حين تتحدث، يصغي إليها العالم.
ما حدث اليوم ليس فوزًا لشخص، بل تتويج لأمة قدّمت للعالم أول مدرسة، وأول متحف، وأول فكرة عن الخلود والمعرفة.
من ضفاف النيل إلى منابر اليونسكو،
تقول مصر كلمتها من جديد:
> الثقافة هي سلاحنا، والحضارة هي معركتنا، والإنسانية هي غايتنا.
وفي لحظةٍ تتقاطع فيها ذكريات أكتوبر مع أنوار باريس، يمكن للعالم أن يرى المشهد بوضوح:
مصر ما زالت تصنع التاريخ… وتنتصر حين تختار طريق الحضارة.
تحيا مصر… وطنٌ لا يعرف الهزيمة، لا في الحرب ولا في الفكر.


إرسال تعليق