بقلم : حسين قدفي
في زاوية من السوق العتيق، حيث تمتزج رائحة الأرض بندى التوابل وعبق الذكريات، جلست امرأة ترتدي ثيابها البسيطة بفخر، وكأنها تاج مجدها. لم تكن مجرد بائعة للتين، بل كانت رمزًا للصمود والإصرار أمام قسوة الحياة. بين يديها سلة ممتلئة بحبات التين ذات اللون الاصفر المائل الي البني او الاحمر الغامق.
،جمعتها بصبر وجهد من قلب المزرعة الكثيفة، حيث تتعانق الأشجار مع السماء في رقصةٍ أزلية بين الحياة والموت.
كانت تلك المرأة أمًا لأربعة أطفال، يعيشون في منزل صغير يكتنفه عبق الذكريات وأمل عالق بمستقبل مجهول. كل صباح، قبل أن يعلن الفجر عن ميلاده، كانت تنطلق في رحلة شاقة نحو الغابة القريبة من منزلها، حيث تنتظرها مغامرة جديدة بين اشجار الجميزه العالية . تسلقت برجليها المرتعشتان رغم وهن جسدها، باحثةً عن حبيبات التين الناضجة التي تتلألأ كنجوم متوهجة في فضاءٍ مظلم. كل شجرة كانت تحكي قصة كفاح، وكل وكل حبة تين كانت تهمس لها بأسرار الحياة الخفية.
وعند عودتها، كانت تمر عبر أزقة المدينة القديمة، حيث تتجاور حكايات البؤس مع صخب الثراء الفاحش. في الجهة الأخرى، كان أصحاب النفوذ السياسي يتنقلون بين أحيائهم الفاخرة، يقودون سياراتهم الفارهة وسط مبانٍ شاهقة تلمع تحت أشعة الشمس. كان التناقض صارخًا، حيث يتجاور العدم مع البذخ، ويتداخل الفقر مع ضجيج السلطة.
أفاقت المدينة على وقع خطواتها المرهقة، وهي تحمل على كاهلها معاني الصبر وقصصًا منسية. في كل زاوية، كان هناك سرٌّ دفين، وحكاية صامدة تتحدى الزمن. ورغم قساوة الأيام، كانت تبتسم، وكأنها تهمس للقدر: "سأظل أقاتل."
جلست فوق حجر قديم في السوق، تحصي نقودها القليلة، تفكر في مستقبل أطفالها الذي بدا كسراب، لكنها لم تفقد الأمل. كانت تعلم أن الحياة لا تمنح شيئًا لمن لا يجتهد، وأن في كل ضربة قدر درسًا، وفي كل شمسٍ تشرق وعدًا بمستقبل قد يزهر مع الصبر والمثابرة.
بينما تسير في شوارع المدينة، كانت تسمع همسات الماضي تتراقص مع نسمات الهواء المحملة بعطر الأيام الخوالي. كانت قصتها قصيدةً غير مكتملة، ترويها تفاصيل المعاناة والصمود، وتعكسها جدران المدينة العتيقة. كانت درسًا حيًّا بأن الثراء الحقيقي لا يُقاس بالمال، بل بالإرادة التي تجعل من الألم نقطة انطلاق، ومن الشقاء منصةً لتحقيق الأحلام



إرسال تعليق