كتب/ ماجد شحاتة
في إنجازٍ طبي تعدى حدود العلم والتكنولوجيا، شهدت مدينة المكسيك سيتي ولادة أول طفل أُنجِبَ من خلال نظام روبوتي مدعوم بالذكاء الاصطناعي يُدعى «AURA» بدون أي تدخل بشري مباشر في مراحل الإخصاب. ويُعد هذا الإنجاز خطوة أولى في ما يبدو أنه طريقٌ جديد لعلاج العقم، إذ تمَّ حتى الآن رصد نحو عشرين ولادة ناجحة باستخدام هذا النظام.
خلفية تقنية وبيولوجية للنظام AURA
طوَّرت شركة Conceivable Life Sciences هذا النظام الثوري الذي يدمج الذكاء الاصطناعي والروبوتات الدقيقة لإجراء جميع المراحل الحساسة في التلقيح الصناعي (IVF) بصورة آلية، بدءاً من اختيار الحيوانات المنوية وصولاً إلى إدخالها في البويضة، ومراقبة انقسامات الخلايا، بل وحتى اختيار الأجنة القابلة للنقل.
النظام يدمج ست محطات عمل متكاملة داخل المختبر، ويُطبَّق عليه أكثر من 200 خطوة كانت في السابق تنفَّذ يدوياً من قِبَل أخصائيي الأجنة.
من الناحية البيولوجية، تم تجريب النظام أولاً على الفئران، ونجح في إنتاج أجيال صحية متعاقبة، مما منح الفريق العلمي الثقة للبدء بالاختبارات البشرية.
التجارب السريرية والولادة الأولى.
وفقًا لورقة علمية نشرت في مجلة Reproductive Biomedicine Online، وُلد أول طفل في تجربة أُجريت باستخدام تقنية الحقن المجهري الآلي (ICSI) بدون تدخل بشري، بعد أن تم اختيار الحيوانات المنوية وإدخالها داخل البويضة بالكامل تحت إشراف النظام الرقمي.
وقد شملت التجربة امرأة في الأربعين من عمرها استخدمت بويضات من متبرعة، وتم تقسيم البويضات إلى مجموعة تعاملت معها الآلة وآخر مجموعة تعاملت يدوياً كضابطة. وقد حقق النظام الآلي تخصيبًا لِـ 4 من أصل 5 بويضات مع وجود جنين واحد نُقِل لاحقًا وأدى إلى ولادة صحية.
في المكسيك، تُجرى الآن تجارب واسعة تشمل نحو 100 مريضة في مركز Hope IVF التابع لشركة Conceivable، وقد أدت هذه التجارب إلى أكثر من عشرين ولادة حتى الآن.
الفوائد المتوقعة والتحديات.
الفوائد:
تقليل الأخطاء البشرية والتفاوت: النظام يحاول توحيد جودة الأداء في كل عملية دون الاعتماد على خبرة فرد بعينه، وهو ما يمكن أن يقلل التفاوت بين المختبرات.
خفض التكاليف وتوسيع الوصول: بفضل التشغيل الآلي، يمكن خفض التكاليف التشغيلية، مما قد يجعل العلاج متاحًا لشرائح أوسع من المرضى في دول النطاق المتوسط أو منخفض الدخل.
الكفاءة والسرعة: بعض المراحل التي كانت تستغرق وقتًا طويلاً باتت تجري بصورة أسرع تحت إشراف الذكاء الاصطناعي، خاصة عند المراقبة الدقيقة وتقليل تدخل الإنسان.
التحديات:
الموثوقية والسلامة على نطاق واسع: على الرغم من النتائج المبكرة المشجعة، لا تزال الحاجة قائمة لاختبار النظام على عدد أكبر من الحالات وعلى فترات طويلة لقياس سلامة الأطفال الناجين.
الاعتماد التنظيمي والقانوني: لم تحصل هذه التكنولوجيا بعد على موافقات تنظيمية في معظم الدول، وهو ما يشكّل حاجزًا أمام نشرها عالمياً.
المسائل الأخلاقية: تدخل الذكاء الاصطناعي في عملية إنجاب الحياة يطرح تساؤلات حول الشفافية، والمساءلة، وحقوق الطفل الناتج في الاطلاع على قرارات اتخذها خوارزمي، وكذلك قبول المجتمعات لهذه التكنولوجيا.
الفجوة التكنولوجية: البلدان التي لا تمتلك بنية مختبرية متطورة قد تجد صعوبة في استيعاب هذا النوع من التكنولوجيا دون دعم بنيوي كبير.
الخلاصة
ما بدأ كفكرة طموحة يتبلور الآن إلى واقع طبي — ولادة طفل أولية باستخدام روبوت ذكي للإخصاب — قد تمثل نقطة تحول في علاج العقم العالمي. الدمج بين التكنولوجيا والبيولوجيا يفتح الباب أمام عصر جديد، حيث لا تُترك حياة الأجنة في أيدي البشر فحسب، بل تُدار بدقة خوارزمية. ومع ذلك، يبقى أمامنا طريق طويل: من التحقق السريري الواسع، إلى الموافقات القانونية، إلى النقاش الأخلاقي، وصولاً إلى قبول المجتمعات.
إرسال تعليق