بقلم/وائل عبد السيد
زهرة الأقحوان الأخيرة
في قرية صغيرة تقع على سفح جبل، حيث تتعانق البيوت الحجرية مع خرير الجداول، عاشت امرأة عجوز اسمها "إليزا". كانت إليزا قد بلغت من العمر عتيًا، وشهدت رحيل أجيال وأجيال، ولكنها لم تفقد يوماً بريق عينيها الحكيمتين أو هدوء ابتسامتها. كانت تمتلك حديقة صغيرة خلف منزلها، تزينها زهور الأقحوان البيضاء التي تعشقها.
في إحدى ليالي الخريف الباردة، شعرت إليزا بوهن لم تعهده من قبل. كانت تعلم أن وقت الرحيل قد حان. لم تخف، بل شعرت بسكينة غريبة. في الصباح، استدعت حفيدتها "ليلى"، فتاة صغيرة ذات شعر بني مجعد وعينين واسعتين، كانت تجلس دائمًا بجانبها تستمع لحكاياتها.
"ليلى يا حبيبتي، تعالي اجلسي بجانبي،" قالت إليزا بصوت خافت لكنه مليء بالدفء.
جلست ليلى، تشعر بقلق خفي. "ما الأمر يا جدتي؟ تبدين متعبة."
ابتسمت إليزا. "لكل شيء نهاية يا صغيرتي، حتى أروع القصص. وحكايتي على وشك أن تصل إلى صفحتها الأخيرة."
نظرت ليلى بخوف في عيني جدتها. "لكن... ألن أراكِ بعد اليوم؟"
أخذت إليزا يد ليلى الصغيرة وربتت عليها بلطف. "الموت يا ليلى، ليس غيابًا كاملاً. إنه تحوّل. انظري إلى زهرة الأقحوان هذه."
أشارت إليزا إلى أقحوانة بيضاء نضرة في حديقتها الصغيرة. "عندما تذبل الزهرة، لا يعني هذا أنها اختفت للأبد. بذورها تسقط في الأرض، ومع قدوم الربيع، تنمو زهور جديدة، ربما أجمل وأكثر حيوية. هكذا هي الحياة، وهكذا هو الموت."
"جسدي هذا يا ليلى، مثل الوعاء الذي يحمل الروح. وعندما يتعب الوعاء ولا يعود قادرًا على الحمل، فإن الروح لا تفنى. إنها تنطلق لتُحلّق في مكان آخر، مكان لا نعرفه لكننا نؤمن بجماله."
دمعت عينا ليلى، لكنها شعرت بنوع من الطمأنينة في كلمات جدتها.
"أريدك أن تعديني بشيء يا ليلى،" أكملت إليزا، "عندما أرحل، لا تحزني طويلاً. احتفلي بما كان بيننا. ازرعي أقحوانة جديدة في حديقتي، وكلما رأيتها، تذكري أنني لم أرحل بعيدًا. روحي ستكون في كل زهرة تتفتح، وفي كل نسمة هواء تداعب وجهكِ، وفي كل حكاية تروينها لأطفالكِ."
في تلك الليلة، غابت إليزا بهدوء، كأنها نامت في سلام.
حزنت القرية كلها على رحيلها، لكن ليلى تذكرت كلمات جدتها. في الربيع التالي، أخذت ليلى بذور أقحوان وزرعتها في حديقة إليزا. وعندما تفتحت الأزهار البيضاء الجميلة، شعرت بليلى أن جدتها لم ترحل فعلاً. كانت ترى روحها في كل بتلة، وتسمع صوتها في همس الريح.
وعلمت ليلى أن الموت ليس نهاية، بل هو جزء من دورة عظيمة، وبأن الحب والذكريات الجميلة تبقى حية تتوارثها الأجيال، مثل بذور الأقحوان التي تُزهر من جديد.


إرسال تعليق