بقلم محمد وحيش
ولدت سعاد محمد كمال حسني البابا في 26 يناير 1943 بحي بولاق في القاهرة وسط أسرة فنية بسيطة لتصبح لاحقاً سندريلا الشاشة العربية وأيقونة السينما المصرية
قدّمت خلال مسيرتها أكثر من 83 فيلماً منذ انطلاقتها في حسن ونعيمة عام 1959 ونجحت في تجسيد أدوار الأنثى المصرية بتناقضاتها البسيطة والعميقة في آن واحد
ورغم الأضواء عاشت سعاد حسني حياة يغلفها الغموض والحنين كانت عاشقة للعزلة والقراءة والموسيقى وكارهة للزيف والنفاق الفني تخفي حزنها بابتسامة لا تنسى
عرفت بخفة ظلها وصدقها الإنساني وارتبط اسمها بعلاقة قوية بالفنان عبد الحليم حافظ ظلت لغزاً مثل نهايتها
في مساء الخميس 21 يونيو 2001 فجع العالم بسقوط سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني من شرفة شقة بالطابق السادس في مبنى ستيوارت تاور بالعاصمة البريطانية لندن
لم يكن السقوط مجرد حادث عابر بل شرارة لقضية امتد صداها أكثر من عقدين بين من يؤمن بأنها انتحرت هرباً من الألم ومن يجزم بأنها قتلت لإسكاتها
التقرير الأولي للشرطة البريطانية أشار إلى أن الوفاة نتجت عن سقوط من علو ولم تُثبت التحقيقات وجود شبهة جنائية
صحف بريطانية ومصرية تداولت آنذاك أن سعاد كانت تعاني من اكتئاب وحالة صحية متدهورة بعد سنوات من الغربة والعلاج وربطت ذلك بقرار مأساوي أنهى حياتها
الفنانة نادية يسري صديقتها وصاحبة الشقة أكدت في أكثر من مقابلة أن سعاد كانت مكتئبة وألقت بنفسها من الشرفة في لحظة يأس
شخصيات فنية أيّدت الرواية الرسمية منهم من قال إن سعاد كانت تعيش وحدة نفسية قاسية
وفي المقابل ظل الملف البريطاني مغلقاً عند خانة الانتحار المحتمل بلا شهود حاسمين ولا أدلة جنائية تثبت غير ذلك
بعد وصول الجثمان إلى القاهرة بدأت العائلة حربها مع الصمت
جنجاه عبد المنعم شقيقة سعاد من الأم ظهرت على الشاشات مؤكدة أن شقيقتها لم تنتحر بل قتلت بعد أن قررت كتابة مذكراتها التي كانت ستكشف أسراراً كبيرة
نشرت كتابها الشهير سعاد أسرار الجريمة الغامضة وقدمت مستندات تقول إنها تثبت التلاعب في مسرح الجريمة وتقارير الوفاة
الفنان الراحل سمير صبري أيّد موقف العائلة وصرح في أكثر من برنامج أن كل الوقائع تشير إلى جريمة مدبرة لا إلى انتحار وطالب بفتح تحقيق جديد
كذلك الفنانة سميرة أحمد وجهت اتهامات مباشرة إلى نادية يسري معتبرة أن الرواية الرسمية مليئة بالثقوب
الاتهامات لم تتوقف عند الأفراد فقد أشارت العائلة إلى أسماء سياسية بارزة في عهد التسعينات مثل صفوت الشريف وحبيب العادلي متهمة بعضهم بالتورط أو التستر وهو ما لم يثبَت قضائياً حتى اليوم
التحقيق البريطاني لم يصدر حكماً باتاً بل اكتفى بتصنيف الحادث كـ سقوط غامض
في مصر فتح الملف عدة مرات ثم أُغلق نهائياً عام 2013 بسبب عدم كفاية الأدلة
ورغم مطالبة الأسرة بإعادة فتحه وإجراء تشريح جديد لم يصدر أي قرار قضائي يعيد القضية إلى مسارها القانوني
بعد أكثر من عشرين عاماً ما زال سؤال النهاية معلقاً
هل كانت سعاد حسني تودع العالم من شرفة اليأس أم تدفع نحو المجهول بيد خفية
الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن سندريلا لم تمت في عيون محبيها وأن غموض رحيلها أصبح جزءاً من أسطورتها
رحلت جسداً لكنها تركت خلفها لغزاً لا يموت وسؤالاً ما زال يرفرف كظل فوق شرفة لندن
من أطفأ ضوء سندريلا


إرسال تعليق