بقلم: محمد صالح العوضي
لم يعد تصاعد معدلات العنف وجرائم التحرش الجنسي أو اللفظي وفقدان الإحساس بالأمان مجرد حوادث فردية عابرة، بل تحوّل إلى ظاهرة مقلقة تهدد استقرار المجتمع وتضرب في عمق نسيجه الإنساني. وما نشهده اليوم ليس وليد الصدفة، وإنما نتيجة مباشرة لغياب الوازع الديني، وتراجع منظومة القيم الأخلاقية، وتآكل الإحساس بالمسؤولية الفردية والجماعية.
لقد أخطأ من اختزل الدين في طقوس شكلية تُؤدى دون أثر في السلوك، فالدين في جوهره منظومة أخلاقية متكاملة، تُهذّب النفس، وتغرس في الإنسان رقابة الضمير قبل رقابة القانون. هو سياج يحمي المجتمع من الانفلات، ويؤسس لاحترام الإنسان كقيمة لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف.
إن غياب القيم يفتح الباب أمام التوحش، وحين يغيب الضمير، يصبح الاعتداء على الآخر أمرًا عاديًا، وتتحول ممارسات العنف والتحرش الجنسي أو اللفظي من استثناء مرفوض إلى سلوك متكرر. فالقانون وحده، مهما بلغت صرامته، لا يكفي لردع النفوس المريضة إذا لم يُدعّم بوازع أخلاقي داخلي يشعر صاحبه برقابة الله قبل خوفه من العقاب.
والمؤسف أن تراجع دور الأسرة، وضعف الخطاب الديني الواعي، وغياب القدوة، كلها عوامل أسهمت في خلق أجيال تعيش بلا بوصلة أخلاقية واضحة. أجيال تتعامل مع العنف باعتباره وسيلة، ومع التحرش باعتباره تجاوزًا عابرًا، ومع الآخر باعتباره هدفًا لا إنسانًا له كرامة وحقوق.
إن استعادة الأمان لا تبدأ من الشارع ولا من السجون فقط، بل تبدأ من إعادة بناء الإنسان: وعيًا وفكرًا وأخلاقًا. تبدأ من بيت يربي، ومدرسة تغرس القيم، وإعلام مسؤول لا يبرر الجريمة ولا يهوّن من خطورة التحرش، وخطاب ديني مستنير يربط العبادة بالسلوك، والإيمان بالعدل.
لن يعود الأمان إلى مجتمعنا إلا حين يدرك كل فرد أن حريته تنتهي عند حدود كرامة الآخرين، وأن مسؤوليته لا تسقط ما دام حيًّا. مسؤولية أمام الله أولًا، ثم أمام ضميره، ثم أمام المجتمع الذي يعيش فيه.
فالأوطان لا تُبنى بالقوانين وحدها، بل تُحمى بالأخلاق… وحين تعود القيم، يعود الأمان.


إرسال تعليق