رؤيا الملك الذي حكمه الوهم

المشاهدات الفعلية للخبر 👁 Flag Counter



 

​بقلم / وائل عبد السيد

​في عهدٍ مضى، حيث تكسو جدران القلاع هيبة الأزمان، كان الملك سيفان يحكم بيدٍ من حديد وقلبٍ يخشى الوهن. ذات ليلة، انشق سكون عرشه بـكابوسٍ مزلزل هز أركانه؛ حلمٌ ضاق به صدره، وغدا جرحاً غائراً في يقظته.

​استدعى الملك على عجل صفوة المفسرين والسحرة من كل فجٍ عميق في مملكته الشاسعة. تهافتوا أمامه، لكنهم جميعاً عجزوا عن فك شفرة تلك الرؤيا المُقلقة. تكرر الحلم بفظاعة، كأنه نذير شؤم يطرق أبواب القدر، فـأعلن الملك عن كنوزٍ عظيمة لمن يمتلك جرأة تفسير ما رأى.

​وفي غمرة اليأس، ظهر شيخٌ وقور، هو الحكيم الأعظم، الذي اشتهر بين الناس بـ**"مُستنطق الغيب"**. تقدم الحكيم بثبات إلى العرش وقال بصوتٍ كهمس الرياح العتيقة: "يا سيدي، أنا من يزيح ستار الغموض عن رؤياك."

​هنا، أفرغ الملك سيفان لوعة حلمه:

​"لقد رأيتُ في منامي أن زوجتي، زهرة المملكة، تخلت عني ورحلت، وأن أبنائي، سواعدي وذخري، تاهوا على إثرها. رأيتُ بعضهم يتوسل العون عند أعتاب أبيهم الغائب، والبعض الآخر تذرته رياح الغربة ليعاني التشرد والضياع في أصقاع الأرض."

​نظر الحكيم الأعظم في عيني الملك بثباتٍ مرعب، وقال في حسمٍ لا يلين:

​"يا صاحب الجلالة، هذه ليست مجرد رؤيا، بل هي مرآة مصيرك الحتمي. حلمك ينطق بانتهاء سلطانك. أقولها بصدق: لقد انقضى عهدك، وأصبح الحزن الآن سيفاً لا يقطع إلا عنق حامله!"

​كانت الكلمات كالصاعقة؛ فبدلاً من أن يستوعب الملك الحقيقة القاسية، اشتعل غضبه المتهور. لم يتحمل الملك رؤية نهايته بهذا الوضوح الصارخ، فصرخ في حراسه: "اقطعوا رأس هذا المتطاول فوراً! جزاء كل حقيقة لا تُرضي الملك هو الموت!"

​بعد تلك الفعلة النكراء، بدأ الملك يُحكم قبضته على الملكة، ضناً منه أنه يستطيع مغالطة القدر أو إخضاع النبوءة بقوة السيف.

​لكن بعد أربعين يوماً بتمامها وكمالها، وكأنها الموعد الأبدي لتنفيذ الحكم الغيبي، اندلعت ثورة جارفة كبركانٍ خامد، أطاحت بعرش سيفان ومحت اسمه من سجلات المجد.

​تفرقت كلمتهم وضاعت سطوتهم: تنازع الأبناء على بقايا العرش المهدم، وتشتتوا كما وصف الحلم. أما الملكة المسكينة، فلم تجد حتى اليوم من يواسيها على فقدان عرشها وأبنائها التائهين.

​خاتمة المأساة:

​مضت الأيام، وتولى ملك جديد حكم البلاد. ولكنه كان يعيش في ظلِ لعنةٍ خفية. فكلما رأى حلماً غريباً أو واجه معضلة مستعصية، لم يجد أحداً يفسر له أو يرشده. لقد أدرك متأخراً أن الحكيم الوحيد الذي كان يمتلك بصيرة نافذة في هذه البلاد، قد لاقى حتفه على يد الملك السابق، لأنه كان أكثرهم حكمة وأصدقهم قولاً!

اضف تعليق

أحدث أقدم