كتب محسن محمد
رغم التقدّم الهائل في صناعة الأدوية، وامتلاء الصيدليات بالعلاجات لكل داءٍ عضوي، لا يزال هناك "دواء" لا يُصنّف ضمن المنتجات الطبية، ولا يُعرض على الرفوف، ولا يُكتب في وصفات الأطباء. إنه النصيحة.
النصيحة الصادقة، النابعة من قلب محبّ، تظلّ إحدى أنقى صور الخير الإنساني، وأبلغ وسائل الإصلاح الاجتماعي. فهي تُداوي النفوس قبل الأجساد، وتفتح العيون على أخطاء قد تُهلك أصحابها، وتُعيد التوازن حين تميل الكفّة بين الصواب والخطأ.
غير أنّ هذا "الدواء المجّاني" بات نادر التداول. فثقافة النصح، التي كانت يومًا جزءًا من الحياة اليومية، تراجعت تحت وطأة الفردانية، والخوف من ردود الفعل، وتحفّظ البعض من أن يُنظر إليهم كمتطفّلين أو متعالين. وبدلًا من أن نستمع للنصيحة من أهل الخبرة أو محبّينا، صرنا نتلقّاها - بكل ثقة - من مشاهير على الشاشات، لا يعرفون عنا شيئًا، وربما لا يعنيهم أمرنا أصلًا.
إن إحياء ثقافة النصيحة يتطلب شجاعة في الإعطاء، ورُقيًا في الأسلوب، وتواضعًا في التلقّي. فالنصيحة الحقّة لا تُلقى من علٍ، ولا تُقدَّم بإدانة، بل تُهدى كما تُهدى الأزهار: برفقٍ وأدب. وهي، في كثير من الأحيان، ما ينقذ إنسانًا من هاوية، ويُعيد آخر إلى الطريق.
في زمن تتصدّره العلاجات التجارية، تذكّروا أن أثمن دواء لا يزال يُمنح مجانًا... النصيحة.
إرسال تعليق