فنّ الخطابة ولغة الحوار الراقي

المشاهدات الفعلية للخبر 👁 Flag Counter











بقلم / رحمه حمدي 

المدربة الدولية والكاتبة


يُقال إنَّ أفصح الكلام هو ذاك الذي يترك معنًى عميقًا وأثرًا باقٍ في النفوس فإن خرجت الألفاظ بلا معانٍ تُحرّك الوجدان وتُلهم الفكر، فهي كأنها هباء لا يُنتفع به ولهذا فإن فنّ التحدّث وفنّ الإلقاء من أعظم الفنون الإنسانية، إذ بهما يستطيع المرء أن يؤثّر في الآخرين، وينقل إليهم ما يختلج في قلبه من مشاعر، وما يزخر به عقله من أفكار، فيكون للكلمة وقعها، وللبيان سلطانه.


فنّ الكلام ليس عبثًا

وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "قيمة كل امرئ ما يُحسن"، الخطابة ليست لهوًا يُلقى على المسارح، ولا حديثًا يُقال بلا رَوِيَّة بل هي صنعة تقوم على اللباقة، وتُبنى على الفصاحة، وتحتاج إلى مهارات تُكتسب أو تُصقل بالاجتهاد وهي علمٌ يُعنىٰ بإدارة الحوار، ومخاطبة العقول على اختلاف مشاربها، من الأرسخ علمًا إلى الأضعف إدراكًا! فالخطيب البليغ هو من يُحسن تواصله مع كل عقل بما يفهم، ويخرج من كل نقاش بخلاصة نافعة، لا يجرح ولا يُهدر.


صفات المتحدث الفصيح

المتحدث الفصيح لا يُجيد القول فحسب، بل يُحسن الإصغاء، ويتحلّى بالحِلم، ويقبل الرأي الآخر بطيب نفس فـ"لغة الاستماع" لا تقلّ شأنًا عن "لغة الحديث"، بل هي مفتاح الفهم وسُلّم البيان! وقد قال الإمام الشافعي: "إذا جلستَ مع قومٍ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول"، فالكلمة الرصينة لا تأتي إلا بعد فهمٍ عميق، وإصغاءٍ واعٍ، فهي كالدرّ لا يُنتقى إلا بعد غربلة!


فقدان هذا الفن

من لا يُجيد أساليب الكلام، يفقد وسيلة التواصل الأرقى بين البشر، ويفقد القدرة على التعبير الراقي عن النفس فالكلمات هي الجسر الذي يربط القلوب، وهي الوسيلة التي بها يُفهم الإنسان ويُفهم غيره، لكن بعض الناس يفتقدون هذه المهارة! فيتحوّل حديثهم إلى جدالٍ قاسٍ، ويعجزون عن إدارة نقاشٍ مثمر أو قيادة حوارٍ بنّاء، وكأن لسانهم قد انعقد عن طيب القول، أو كأنهم في ساحة خصام لا في مجلس تفاهم.


فوائد الخطابة

الخطابة تُنمّي حب اللغة العربية، وتُكسب صاحبها ثقة بالنفس، وتُعزّز الجانب الاجتماعي لديه كما تُعلّمه المرونة الفكرية، وتُبعده عن التعصّب، وتُكسبه قدرة على التواصل الراقي مع الآخرين.. إنها تُهذّب النفس، وتُصقلها، وتُعينها على التعامل مع الناس بمختلف ثقافاتهم، في إطارٍ من الاحترام والتقدير، كما كان يفعل خطباء العرب في أسواقهم ومجالسهم، يخاطبون القوم بما يُحبّون، ويُقنعونهم بما يُحسنون.


ويا عزيزي الإنسان في نهاية كلامي أوصيك أن تجعل: للحوار لغة طيبة، وللنقاش أسلوبًا رفيعًا، حتى لا يتحوّل إلى جدالٍ يُورث النفور فليكن حديثنا سبيلًا إلى التفاهم، وطريقًا إلى الارتقاء النفسي والوجداني، فلغة الحوار الراقي تجعلنا أناسًا يُستحبّ الإصغاء إليهم، وتدفع أحاديثنا نحو الودّ واللطف، بدلًا من أن تنحدر إلى التنافر والبغضاء، وهذا هو جوهر الفن الذي أوصي به كل متحدث. 



1 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم