الروائي والكاتب السوداني عادل محمد خير في حوار الصراحه مع قلب الحدث
الشبح... الصندوق الأسود للدراما والمسرح السوداني...
نواجه غياب الدعم المالي والرسمي للمسرح وهجرة المبدعين...!
السفارة السودانية بالقاهرة اعتذرت عن تمويل الانحليزي الاسود رغم قلة التكلفة...!
حاورته: ندى الحاج
يُلقب بـ"الشبح" لأنه يفضل أن تتحدث أعماله عنه، لا الأضواء. روائي وكاتب درامي ومسرحي ولد عاشقا للكلمة، فصنع من الحكاية مجده، ومن الصمت دهشة الإبداع. التقيناه في القاهرة، في جلسة امتزج فيها الحنين بالبوح، ففتح لنا صندوق أسراره الممتد لثلاثة عقود من العطاء.
بداية، من هو "الشبح" الذي ظل يتوارى خلف أعماله الكبيرة؟
الشبح هو إنسان بسيط، خريج كلية الفلسفة ومصحة التجاني الماحي، عاشق للكتابة منذ أن كان طالبا في المرحلة المتوسطة. كنت أحمل نصوصا كتبتها في عمر صغير، وأذهب بها إلى الإذاعة السودانية لأجلس بين كبار المخرجين والممثلين، مثل صلاح الدين الفاضل، محمد خيري أحمد، مكي سنادة، وليلى المغربي. كانت تلك بداياتي الحقيقية، وهناك ولدت محبتي للدراما والفن.
ثلاثون عاما من الكتابة والإبداع، كيف تصف رحلتك مع الدراما والمسرح؟
أعتبرها رحلة شغف لم تنقطع. كتبت العديد من المسلسلات التلفزيونية مثل الشاهد والضحية، تلفون القلوب، دماء على البحر، الوجه الآخر للحب، مشوار الدم، وأمونة وحسن. أما في السينما فقد كتبت ثلاثية المشي فوق سطح الماء، عبير الأزمنة، كلام الطير، وتكلم الحجر. بعضها رأى النور، وبعضها ما زال ينتظر من يتبناه وينتجه.
أما المسرح فهو عشقي الأول، كتبت له أعمالا مثل عنبر المجنونات، ضرة واحدة لا تكفي، خالي شغل، الإنجليزي الأسود، طيور بلا أجنحة، والجنرال في متاهته. لم يتوقف قلمي عند النصوص الدرامية، بل كتبت مئات القصائد التي تحولت إلى أغان في المسرح والسينما وغناها مطربون كثر.
في رأيك، ما أبرز التحديات التي تواجه المسرح السوداني بالخارج؟
أبرز التحديات هي غياب الدعم الرسمي والمالي، مما يجعل المسرحيين يعتمدون على جهودهم الذاتية. كذلك هجرة الفنانين أضعفت استمرارية المشاريع والتعاون بين المبدعين. المسرح السوداني يحتاج إلى بنية تحتية حقيقية للعرض والإنتاج، وإلى فرص تدريب وتأهيل تواكب التطور العالمي. الفن لغة إنسانية عالمية، وإذا لم ندعمها رسميا سنفقد أثرها.
أشرت إلى تجربتك في القاهرة ومحاولة تنفيذ رواية الإنجليزي الأسود، ما الذي حدث؟
نعم، تقدمت بمبادرة لتنفيذ رواية الإنجليزي الأسود المأخوذة عن عمل للأديب العالمي الطيب صالح، كملحمة تجسد الإرث الثقافي السوداني وتبرز قدرات فنانينا. رغم حالتي الصحية الصعبة ذهبت إلى السفارة السودانية في القاهرة وعرضت المشروع ليقدم بالتزامن مع يوم المسرح العالمي.
الملحق الثقافي رحب بالفكرة، لكن الرد كان أن ميزانية السفارة لا تسمح، رغم أن التكلفة لا تتجاوز 120 ألف جنيه مصري ــ وهو مبلغ ضئيل مقارنة بضخامة العمل، خاصة أن الممثلين تنازلوا عن أجورهم حبا للوطن. للأسف، أهمل المشروع كغيره من الملفات المسرحية.
وهل فقدت الأمل بعد تلك التجربة؟
أبدا. أناشد من خلالكم الأستاذ محي الدين سالم وكل المسؤولين الالتفات للمسرح السوداني بالخارج. لدينا طاقات هائلة من المبدعين تستحق أن تستثمر لتعكس الوجه المشرق للسودان في العالم.
لماذا تصر على البقاء في الظل رغم هذا الإرث الكبير؟
ربما لأنني أجد نفسي في الكتابة أكثر من الظهور. الحرب الأخيرة كانت قاسية جدا؛ خرجت من السودان مع أسرتي وسط النيران، ولم أحمل سوى أوراقي وأعمالي. أصبحت تلك النصوص زادي في رحلة اللجوء، تغذي فيّ روح الإبداع رغم المعاناة. صحيح أن ظروفي الصحية صعبة، لكنها لم تكسر قلمي.
برأيك، هل منحت الحرب الفنان السوداني فرصة جديدة للتألق؟
نعم، رغم قسوتها، الحرب فتحت نوافذ جديدة. خرج الفنانون السودانيون إلى العالم مجبرين، لكنهم أثبتوا قدرتهم على الإبداع في أصعب الظروف. ظهرت أسماء مبهرة في المسرح والدراما والسينما كانت تنتظر الفرصة فقط. هذا ما يجعلني فخورا بانتمائي لهذا الجيل المقاوم بالإبداع.
ما الرسالة التي تود توجيهها للوسط الفني السوداني؟
أقول لكل من يهتم بالفن السوداني: لا تيأسوا، فالقادم أجمل. عندما تقدمت للالتحاق بكلية الموسيقى والدراما رفضت بسبب مشكلة في النطق، لكنني لم أستسلم، وها أنا اليوم أكتب لمن تخرجوا في تلك الكلية. الفن لا يعترف بالعوائق. وأدعو الزملاء في الوسط الفني إلى نبذ المصالح الشخصية وتصفية الحسابات التي تعيق تقدمنا. فالفن رسالة، وليس ميدانا للصراعات.
كلمة أخيرة للشبح...
أرجو فقط أن يجد المسرح السوداني من ينقذه من الإهمال، وأن تفتح الأدراج أمام كنوزنا الإبداعية. الفن هو ذاكرة الوطن، وإذا صمت المبدعون ماتت الذاكرة.
إرسال تعليق